كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد رأي في المنام أنه دخل
مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة. روي
البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلي
الله عليه وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت
فنحر هدية وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم علي أن يعتمر العام
المقبل ولايحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم بها إلا ما أحبوا
فاعتمر صلي الله عليه وسلم من العام المقبل فدخلها كما كان
صالحهم فلما أن أقاموا بها ثلاثا أمروه أن يخرج فخرج صلي الله
عليه وسلم( البخاري في الصلح/2701 فتح) وعند الانصراف من
الحديبية نزلت سورة الفتح في ذي القعدة من سنة ست من
الهجرة وفيها في الآية السابعة والعشرين قوله تعالي لقد صدق
الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا
فجعل من دون ذلك فتحا قريبا.
وقوله تعالي لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق أي والله لقد
حققنا للرسول صلي الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة التي رأي فيها
دخوله هو وأصحابه المسجد الحرام( التفسير الميسر لفضيلة
الإمام محمد سيد طنطاو). وقوله تعالي لتدخلن المسجد الحرام إن
شاء الله قد تحقق في العام التالي في ذي القعدة من عمرة القضاء
سنة سبع هجرية حيث خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي
مكة معتمرا هو وأهل الحديبية فأحرم من ذي الحليفة وساق معه
الهدي قيل كان ستين بدنة فلبي وسار أصحابه يلبون وقوله
تعالىأمنين نفي عنهم الخوف وقوله تعالي محلقين رءوسكم
ومقصرين حالة مقدرة لأنهم في حال عام الحديبية لم يكونوا
محلقين أو مقصرين بل تأخروا في تنفيذ ما طلبه منهم رسول الله
صلي الله عليه وسلم حزنا وغما من عدم دخولهم المسجد الحرام
وإنما ذلك في ثاني الحال كان منهم من حلق رأسه ومنهم من
قصر
وقوله تعالي لا تخافون أكد لهم الأمن ونفي عنهم الخوف فلما
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قريبا من مر الظهر ان بعث
محمد بن سلمة بالخيل والسلاح أمامه, فلما رآه المشركون رعبوا
رعبا شديدا وظنوا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يغزوهم
وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه من وضع القتال عشر سنين
فذهبوا فأخبروا أهل مكة فلما جاء رسول الله صلي الله عاليه
وسلم فنزل بمر الظهران حيث ينظر إلي أنصاب الحرم بعث
السلاح من القسي والنبل والرماح إلي بطن يأجج وسار إلي مكة
بالسيوف مغمدة في قربها كما شارطهم عليه فلما كان في أثناء
الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص فقال: يا محمد ما عرفناك
تنقض العهد فقال صلي الله عليه وسلم وماذاك, قال: دخلت علينا
بالسلاح والقسي والرماح فقال صلي الله عليه وسلم: لم يكن ذلك
وقد بعثنا به إلي يأجج فقال عرفناك بالبر والوفاء
وخرجت رءوس الكفار من مكة لئلا ينظرون إلي رسول الله صلي
الله عليه وسلم وإلي أصحابه غيظا وحنقا وأما بقية أهل مكة من
الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطريق وعلي البيوت
ينظرون إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه فدخلها
عليه الصلاة والسلام وبين يديه أصحابه يلبون والهدي قد بعثه
إلي ذي طوي وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها يوم
الحديبية وعبدالله بن رواحة الأنصاري آخذ بزمام ناقة رسول الله
صلي الله عليه وسلم يقودها( تفسير ابن كثير) قال تعالي فجعل
من دون ذلك فتحا قريبا وهو فتح خيبر وما ترتب عليه من غنائم
كثيرة( التفسير الميسر لفضيلة الإمام محمد سيد طنطاوي)
والإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة أنها تتكلم عن علوم
المستقبل فقد نزلت المؤشرات الدنيوية ضد المسلمين من صلف
المشركين وصدهم المسلمين عن المسجد الحرام في هذا العام مع
حالة المسلمين السيئة من الحزن الشديد
لعدم قضائهم العمرة وتباطئهم في طاعة رسول الله صلي الله
عليه وسلم في ذبح الهدي وحلق الشعر وإذا بهذه الآية تنزل أثناء
العودة من صلح الحديبية ضمن سورة الفتح وتبشر بدخول
المسجد الحرام ليس هذا فحسب بل تصفهم وصفا دقيقا حالة
دخولهم آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين لا يخافون ـ بل وتنفي
عنهم علم المصلحة من صلح الحديبية كل ذلك تحقق بمنتهي
الدقة بعد عام كامل من صلح الحديبية أي في ذي القعدة من العام
السابع الهجري وصدق من قال في كتابه الكريم في سورة الفتح
الآية27 منذ أكثر من1400 عام لقد صدق الله رسوله الرؤيا
بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم
ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا