الحزب الحاكم
بتبوّأ هتلر أعلى المراتب
السياسية في المانيا بلا دعم شعبي عارم، عمل الرجل على كسب الود الشعبي
الالماني من خلال وسائل الاعلام التي كانت تحت السيطرة المباشرة للحزب
النازي الحاكم وخصوصاً الدكتور جوزيف غوبلز. فقد روّجت أجهزة غوبلز
الإعلامية لهتلر على انه المنقذ لألمانيا من الكساد الإقتصادي و الحركات
الشيوعية إضافة الى الخطر اليهودي. ومن لم تنفع معه الوسائل "السلمية" في
الإقناع بأهلية هتلر في قيادة هذه الأمة، فقد كان البوليس السري "جيستابو"
ومعسكرات الإبادة والتهجبر القسري كفيل باقناعة. وبتنامي الاصوات المعارضة
لأفكار هتلر السياسية، عمد هتلر على التصفيات السياسية للأصوات التي
تخالفه الرأي وأناط بهذه المهمة للملازم "هملر". وبموت رئيس الدولة
"هيندينبيرغ" في 2 اغسطس 1934، دمج هتلر مهامّه السياسية كمستشار لألمانيا
ورئيس الدولة وتمت المصادقة عليه من برلمان جمهورية ويمر.
وندم
اليهود ايما ندم لعدم مغادرتهم المانيا قبل 1935 عندما صدر قانون يحرم أي
يهودي الماني حق المواطنة الالمانية عوضاً عن فصلهم من أعمالهم الحكومية
ومحالّهم التجارية. وتحتّم على كل يهودي ارتداء نجمة صفراء على ملابسه
وغادر 180,000 يهودي المانيا جرّاء هذه الإجراءات.
وشهدت فترة حكم
الحزب النازي لألمانيا انتعاشاً اقتصادياً مقطوع النظير، وانتعشت الصناعة
الألمانية انتعاشاً لم يترك مواطناً المانيا بلا عمل. وتم تحديث السكك
الحديدية والشوارع وعشرات الجسور مما جعل شعبية الزعيم النازي هتلر ترتفع
الى السماء.
وفي مارس 1935، تنصّل هتلر من "معاهدة فيرساي" التي
حسمت الحرب العالمية الاولى وعمل على إحياء العمل بالتجنيد الإلزامي وكان
يرمي الى تشييد جيش قوي مسنود بطيران وبحرية يُعتد بها وفي نفس الوقت،
ايجاد فرص عمل للشبيبة الألمانية. وعاود هتلر خرق اتفاقية فيرساي مرة اخرى
عندما احتل المنطقة المنزوعة السلاح "ارض الراين" ولم يتحرك الانجليز ولا
الفرنسيون تجاه انتهاكات هتلر. ولعل الحرب الأهلية الاسبانية كانت المحك
للآلة العسكرية الالمانية الحديثة عندما خرق هتلر اتفاقية فيرساي مراراً
وتكراراً وقام بارسال قوات المانية لأسبانيا لمناصرة "فرانسيسكو فرانكو"
الثائر على الحكومة الاسبانية.
وفي 25 اكتوبر 1936، تحالف هتلر مع
الفاشي موسوليني الزعيم الايطالي واتسع التحالف ليشمل اليابان، هنغاريا،
رومانيا، وبلغاريا بما يعرف بحلفاء المحور. وفي 5 نوفمبر 1937، عقد هتلر
اجتماعاً سريّاً في مستشارية الرايخ وأفصح عن خطّته السرية في توسيع رقعة
الأمة الألمانية الجغرافية. وقام هتلر بالضغط على النمسا للأتحاد معه وسار
في شوارع فيينا بعد الاتحاد كالطاووس مزهواً بالنصر. وعقب فيينا، عمل هتلر
على تصعيد الأمور بصدد مقاطعة "ساديتلاند" التشيكية والتي كان أهلها
ينطقون بالألمانية ورضخ الانجليز والفرنسيين لمطالبه لتجنب افتعال حرب.
وبتخاذل الانجليز والفرنسيين، استطاع هتلر ان يصل الى العاصمة التشيكية
براغ في 10 مارس 1939. وببلوغ السيل الألماني الزبى، قرر الانجليز
والفرنسيون تسجيل موقف بعدم التنازل عن الأراضي التي مُنحت لبولندا بموجب
معاهدة فيرساي ولكن القوى الغربية فشلت في التحالف مع الاتحاد السوفييتي
وأختطف هتلر الخلاف الغربي السوفييتي وأبرم معاهدة "عدم اعتداء" بين
المانيا والاتحاد السوفييتي مع ستالين في 23 اغسطس 1939 وفي 1 سبتمبر 1939
غزا هتلر بولندا ولم يجد الانجليز والفرنسيين بدّاً من إعلان الحرب على
المانيا.
الإنتصارات الخاطفة
في السنوات الثلاث اللاحقة
للغزو البولندي وتقاسم بولندا مع الاتحاد السوفييتي، كانت الآلة العسكرية
الألمانية لاتقهر. ففي ابريل 1940، غزت المانيا الدنمارك والنرويج وفي
مايو من نفس العام، هاجم الألمان كل من هولندا، بلجيكا، لوكسمبورغ، وفرنسا
وانهارت الاخيرة في غضون 6 اسابيع. وفي ابريل 1941، غزا الالمان يوغسلافيا
واليونان وفي نفس الوقت، كانت القوات الالمانية في طريقهل الى شمال
افريقيا وتحديداً مصر. وفي تحوّل مفاجئ، اتجهت القوات الالمانية صوب الغرب
وغزت روسيا في نقض صريح لإتفاقية عدم الاعتداء واحتلت ثلث الأراضي الروسية
من القارة الأوروبية وبدأت تشكّل تهديداً قوياً للعاصمة الروسية موسكو.
وبتدنّي درجات الحرارة في فصل الشتاء، توقفت القوات الالمانية من القيام
بعمليات عسكرية في الأراضي الروسية ومعاودة العمليات العسكرية في فصل
الصيف في موقعة "ستالينغراد" التي كانت أول هزيمة يتكبدها الالمان في
الحرب العالمية الثانية. وعلى صعيد شمال افريقيا، هزم الانجليز القوات
الالمانية في معركة العلمين وحالت بين قوات هتلر بين السيطرة على قناة
السويس والشرق الاوسط ككل.
اسدال الستار
الانتصارات
الخاطفة التي حصدها هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية وبالتحديد،
الفترة الممتدة من 1939 الى 1942، جعلت منه رجل الاستراتيجية الاوحد في
المانيا واصابته بداء الغرور وامتناعة من الانصات الى آراء الآخرين أو حتى
تقبّل الاخبار السّيئة وان كانت صحيحة. فخسارة المانيا في معركة
ستالينغراد والعلمين وتردّي الاوضاع الاقتصادية الالمانية واعلانه الحرب
على الولايات المتحدة في 11 ديسمبر 1941 وضعت النقاط على الحروف ولم تترك
مجالاً للشك من بداية النهاية لألمانيا هتلر. فمجابهة أعظم امبراطورية
(الامبراطورية البريطانية) واكبر أمّة (الاتحاد السوفييتي) واضخم آلة
صناعية واقتصادية (الولايات المتحدة) لاشك تأتي من قرار فردي لايعبأ بلغة
العقل والخرائط السياسية.
في 1943، تمت الاطاحة بحليف هتلر
الاوروبي (موسوليني) واشتدت شراسة الروس في تحرير أراضيهم المغتصبة وراهن
هتلر على بقاء اوروبا الغربية في قبضته ولم يعبأ بالتقدم الروسي الشرقي
وفي 6 يونيو 1944، تمكن الحلفاء من الوصول الى الشواطئ الشمالية الفرنسية
وبحلول ديسمبر، تمكن الحلفاء من الوصول الى نهر الراين واخلاء الاراضي
الروسية من اخر جندي الماني.
عسكرياً، سقط الرايخ الثالث نتيجة
الانتصارات الغربية ولكن عناد هتلر أطال من أمد الحرب لرغبته في خوضها
لآخر جندي الماني. وفي نزاعه الاخير، رفض هتلر لغة العقل واصرار معاونيه
على الفرار الى بافاريا او النمسا وأصر على الموت في العاصمة برلين وفي 19
مارس 1945، امر هتلر ان تدمّر المصانع والمنشآت العسكرية وخطوط المواصلات
والاتصالات وتعيين هينريك هيملر مستشارً لألمانيا في وصيته. وبقدوم القوات
الروسية على بوابة برلين، اقدم هتلر على الانتحار وانتحرت معه عشيقته ايفا
براون في 1 مايو 1945 واسدل الستار على كابوس الحرب العالمية الثانية ...