بعد تسعة وأربعين
عاما قضاها متربعا على كرسي السلطة ، قرر الزعيم الكوبي فيدل كاسترو
أخيراً التخلي عن هذا الكرسي وعن الرئاسة وقيادة القوات المسلحة لأسباب
صحية .
الرئيس الكوبي وعلى موقعه الالكتروني قال مكررا كلامه مرتين ، لا اطمح ولن اقبل بتولي مهام الرئاسة وقيادة القوات المسلحة.
سنوات
طويلة من النضال بين مزارع قصب السكر ومكتب المحاماة والسلاح عاشها كاسترو
الذي لم يتخل يوما عن نهجه وفكره رغم المؤامرات والمرض الذي أقعده عام
2006 ، سنوات ملئيه بالنضال والصمود أمام مؤامرات جاره الأمريكي الذي خشي
من امتداد ثورته.
فيدال كاسترو الذي ولد عام
1926 في مزرعة لقصب السكر يملكها والداه المهاجران الاسبانيان ، أمضى
طفولته في تلك المزرعة, قبل أن يرتحل عند بلوغه السادسة من العمر إلى
سانتياغو حيث بدأ دراسته في المدارس التحضيرية .
وفي عام 1945 انتسب كاسترو إلى كلية الحقوق في هافانا، ليبدأ بعد تخرجه بالدفاع عن قضايا الفقراء والمظلومين.
كان
كاسترو يعد العدة للقيام بحملة انتخابية للفوز في أحد مقاعد البرلمان في
انتخابات 1952، ولكن الجنرال فولغينسو باتيستا قام بانقلاب عسكري وأطاح
بحكومة الرئيس كارلوس سكاراس ثم ألغى الانتخابات.
لم
يرق ذلك للشاب المتوقد ، فأقام دعوى قضائية على الجنرال متهما إياه بخرق
الدستور، ولكن المحكمة ردت الدعوى ، وحين رأى كاسترو ان من المستحيل
مواجهة الانقلابيين بسلطة القانون، نظّم عام 1953 فرقة مسلحة قوامها 165
رجلا وقام بهجوم للاستيلاء على ثكنة مونكادا في سانتياغو ، لكن هجومه فشل
فشلاً ذريعاً، فقتل أكثر من نصف المهاجمين والقي القبض على الناجين ومن
بينهم كاسترو وأخوه راؤول ، وبقيا في السجن حتى صدور عفو عام سنة 1955.
حاول
كاسترو عبثاً مواجهة الحكم العسكري الديكتاتوري باعتماد الوسائل السلمية
لكن محاولاته باءت بالفشل ، فذهب إلى المكسيك حيث عمل على تنظيم الكوبيين
المنفيين هناك في فرقة عسكرية سميت «حركة 26 تموز الثورية» تيمنا بتاريخ
تأسيسها. وكان الثائر البوليفي ارنستو غيفارا احد أركانها .
في
الثاني من كانون الأول 1956 قامت الفرقة وعدد أعضائها 82 رجلاً بهجوم على
الشاطئ الشمالي للمقاطعة الشرقية، ولكن الهجوم فشل ، ولم ينج إلا 12 من
أعضائها, فانسحبوا بقيادة كاسترو إلى سلسلة جبال سييرا مايسترا حيث بدأوا
حرب عصابات ضد حكومة الجنرال باتيستا.
أحرزت
حرب العصابات النجاح تلو النجاح ، وراح عدد أنصار كاسترو يتزايد حتى قارب
الألف رجل . وقد قاموا بهجومهم الشهيرعلى هافانا التي دخلها الثائرون وعلى
راسهم غيفارا ليلة رأس السنة عام 1959 ، وسيطروا على الوضع بسرعة اضطر معه
الجنرال باتيستا إلى الفرار من البلاد.
وفي
كانون الثاني 1959 اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة الجديدة، وما أن حل
شهر شباط حتى صار كاسترو رئيسا للحكومة، لكن الخلافات مع الولايات المتحدة
بدأت تظهر إلى العلن بسبب قيام الحكومة الكوبية بمصادرة ممتلكات
الأمريكيين التي كانت في معظمها ممتلكات لعصابات المافيا الأمريكية التي
نشطت في كوبا في الخمسينات، وتأميم الصناعات المحلية والمصارف وتوزيع
الأراضي على الفلاحين .
وبدأت الحكومة
الكوبية تتقرب من الاتحاد السوفيتي وسواه من الدول الشيوعية، الأمر الذي
أثار حفيظة واشنطن فقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع هافانا، لتزداد الأمور
سوءا عندما قام حوالي 1300 كوبي بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية
الأمريكية بالهجوم الفاشل على كوبا عبر خليج الخنازير في نيسان 1961 .
في
العام التالي ( 1962) حصلت «أزمة الصواريخ» الشهيرة والتي كادت تؤدي إلى
حرب عالمية نووية. فقد اكتشفت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفيتي يزود
كوبا بصواريخ بعيدة المدى، واعتبرت ذلك خطرا عليها وتهديداً لأمنها. فقام
الرئيس الأمريكي كينيدي بإصدار أوامره لمحاصرة كوبا بحراً وجواً، إلى أن
أصدر الزعيم السوفيتي خروتشيف أوامره بإزالة تلك الصواريخ، مقابل سحب
أمريكا لأسلحتها من تركيا .
بعد أزمة
الصواريخ ، وبالرغم من انه لم يكن شيوعياً في بداية ثورته ، توجه فكر
كاسترو نحو الماركسية وجعلها منهجا لكل الكوبيين ، حيث اسسس في عام 1965
الحزب الشيوعي الكوبي ، ما اثأر حفيظة بعض الكوبيين الذين هاجروا إلى
فلوريدا، حيث شكلوا منظمات معادية لحكم كاسترو في ميامي. فيما بدأت واشنطن
حصاراً برياً وبحرياً على كوبا منذ ذلك الوقت وحتى كتابة هذه السطور وحتى
الآن .
الحصار الأمريكي ترافق مع محاولات
حثيثة من قبل واشنطن لاغتيال كاسترو حتى بلغت تلك المحاولات ما يقرب من
600 محاولة، لكنها جميعاً فشلت فبقي هو صامداً في مواجهة تمثال الحرية في
ميامي التي لا تبعد عن الجزيرة الكوبية أكثر من 100 كيلومتر.
خلال
فترة حكمه التي اقتربت من نصف قرن ، خطت كوبا بقيادة كاسترو خطى واسعة في
مجالات ، حتى اصبحت قريبة من الدول الغربية المتقدمة ، بعد ان كانت في
خانة الدول المتخلفة ، شانها شان العديد من دول العالم الثالث .ا
كاسترو
الذي ساعد العديد من الحركات الثورية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، اخذ
عليه خصومه عزل كوبا عن العالم تحت حكم ديكتاتوري ، ونهج عقائدي لم يستطع
جلب الرفاه للكوبيين الذين رغم ذلك لا يزالون يكنون الحب والاحترام لقائد
أمضى سني حكمه في وجه المد الأمريكي ولم يخنع يوماً.
كاسترو
وان اتفق المرء أو اختلف مع فكره وسياسته ، يبقى واحدا من الرجال الكبار
في القرن العشرين ، الذين حفروا أسماؤهم في ذاكرة التاريخ ، إلى درجة أن
التاريخ في كوبا يبدأ بفيدل كاسترو .
_________________