المجتمع الكردي .. بين العادات والتقاليد والمواكبة والتجديد
يمكن تعريف المجتمع، بأنه كيان جماعي من البشر، بينهم شبكة من التفاعلات والعلاقات الدائمة والمستقرة نسبياً، والتي تسمح باستمرار هذا الكيان وبقائه وتجدده في الزمان والمكان. وينطبق هذا التعريف على الشعب الكردي بكونه مجتمعاً مثل أي مجتمع بشري آخر، بما يتوفر له من المقومات الأساسية، كالوطن، البيئة، السكان، التنظيم الاجتماعي، مؤسساته التي تفاعلت فيما بينها وبين المجتمعات الأخرى عبر التاريخ.
مظاهر المجتمع الكردي
منطقة كردستان هي عموما جبلية وعرة وقاسية وقد أثرت العوامل الطبيعية على تطور ورقي الشعب الذي يقطنها، وكان لها أثران: فمن ناحية ساعدت الشعب الكردي على الاحتفاظ بهويته، ولغته وتقاليده وثقافته على مر القرون، ومن ناحية أخرى عزلته إلى حد كبير عن المدنية.
ان قيام حياة رعوية ارتبطت بشكلٍ مباشرٍ بتأثير الطبيعة وما يرافقها من طغيان الأنماط القبلية والتنقل والفروسية، وكذلك الكرم والشجاعة وغيرها من الصفات أو السمات الشخصية فضلا عن الحياة الزراعية الريفية، وحياة حضرية تجارية إدارية في المدن.
تنوع الشعوب والثقافات التي استوطنـت هذه المنطقة إلى جانب الكرد والتي تمازجت عبر التاريخ من آرية وسامية، وعربية وأرمنية وتركمانية وآشورية وكلدانية، مما أدى إلى تكوين مجتمع تنوعي، وهذا التنوع في حد ذاته قد يكون مصدر ثراء ثقافي للمجتمع.
ظهور ديانات ومذاهب عديدة، منها الديانات التوحيدية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية) وظهور مذاهب أخرى غير إسلامية كاليزدية والكاكائية والعلية وغيرها، مما شكل متحفاَ اثنوغرافياَ.
تزايدت أهمية كردستان اقتصادياً وحضارياً وسياسياً خاصة بعد الانتفاضة الربيعية والهجرة المليونية عام 1991 إلى تركيا وإيران وسوريا إلى حد ما من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب موارده المعدنية كالنفط وغيرها.
العادات والتقاليد
العادات والتقاليد، هي حصيلة التطور التاريخي والحضاري للأفراد والزمر الاجتماعية في البيئة الكردية، وقد استقرت عليها منذ الأزمنة القديمة وحتى الآن، إلا أن هناك اختلافا في بعض نواحيها حسب اختلاف البيئات الجغرافية الكردية .
ومن التقاليد التي رصدها المستشرقون والرحالة عند المجتمع الكردي، وأوردها (تومابوا) احترام العائلات القديمة النبيلة، وفي الواقع فإن ملاحظة هؤلاء المستشرقين صائبة ولم تزل قائمة، إذ ما زال المجتمع الكردي ينظر بإجلال كبير إلى أحفاد رؤساء الأسر التي ناضلت من أجل الشعب الكردي في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ومثل هذا الامر ينسحب على أحفاد الأسر الدينية أو أحفاد رؤساء العشائر والوجهاء.
وهناك عادة أخرى في المجتمع الكردي، وهي عادة (الثأر) وإن اختفت كلياً في المدينة، وبقيت إلى حد ما في القرى، فالثأر الكردي هو مظهر من مظاهر الانتقام الذي يلجأ اليه الشخص المعتدي عليه.
أما ظاهرة تعدد الأبناء، فما زالت لها قيمة أساسية في المجتمع الكردي الحضري بصورة عامة وفي المجتمع الريفي بصورة خاصة.
إن القيم التي تتحكم بالعلاقات ضمن العائلة الكردية قد تتحكم إلى حد بعيد بالعلاقات ضمن المؤسسات الأخرى في المجتمع، كالمؤسسات الدينية والسياسية والتربية والعمل. وبالرغم من ظهور القيم السلفية والأصولية والقدرية والانغلاق وغيرها، يشهد المجتمع الكردي في مرحلته الانتقالية منذ فترة التسعينيات ظهور قيم جديدة في المجتمع خاصة عند الشباب، كقيم الانفتاح على الغرب، حيث تبنى الشباب الكثير من معتقدات الغرب وأزيائه ومفاهيمه، بما في ذلك ثقافة العولمة والإنترنت.
غالبية الكرد مسلمون، وقبل دخولهم الإسلام في القرن السابع الميلادي كان الكرد يعتنقون الديانة الزرداشتية التي لم تعرف إلا بين الأقوام الارية. ولقد تحول الكرد عام (20) للهجرة من الديانة الزرداشتية إلى الإسلام من دون أن يمروا بالمسيحية.
وقد لعب رجل الدين الذي يدعى (ملا) في كردستان دوراً بارزاً وإيجابياً في الحركة الوطنية التحريرية من حيث الولاء والانخراط فيها. وبين الكرد، فضلاً عن الدين الإسلامي،كان يوجد اليهود في كردستان العراق، فقد هاجروا إلى إسرائيل بداية عام 1948، وهم معروفون ألآن كجالية كردية يهودية.
المرأة والمجتمع
الكرد هم أكثر شعوب المنطقة تسامحا تجاه المرأة ويعطونها مكانة كبيرة ويقبلون بزعامتها.
وتشكل العائلة واحدة من بين أهم مصادر القيم السائدة في المجتمع الكردي خاصة أنها تشكل وحدة إنتاجية تقتضي التشديد على العضوية والعصبية والتعاون والالتزام الشامل بين أعضائها. ومن بين الاتجاهات القيمية التي تتصل اتصالاً مباشراً بالحياة العائلية، ما يتعلق بدور المرأة في المجتمع الكردي. وهنا يمكن أن نلحظ ظاهرتين متلازمتين، فمن ناحية وكما يؤكد (مينورسكي) فإن الكرد هم أكثر تسامحاً من جميع الشعوب الإسلامية الأخرى المجاورة تجاه المرأة، ويعني بالتسامح هنا حرية التعبير والرأي وإعطاء المرأة مكانتها التي تستحقها. وبذلك فالكرد أكثر تقبلاً لحرية المرأة ومكانتها قياساً بالأقوام الإسلامية (الترك والفرس والعرب) التي بدت غير متسامحة مع المرأة.
ويعزى هذا الاهتمام النسبي بالمرأة الكردية من قبل الرجل الكردي وثقته العالية بها، إلى أسباب أو عوامل تاريخية ودينية ممتدة إلى عمق التاريخ لا مجال لتحليلها.
وفي الميدان السياسي، يؤكد الرحالة والمستشرقون وجود زعامة للمرأة الكردية على رأس القرية والقبيلة، وتؤكد هذه الظاهرة مع قلة انتشارها، أن المجتمع الكردي يتقبل زعامة المرأة ولا عقد له إزاء ذلك عندما تفرض المرأة وجودها بمبررات منظورة أو غير منظورة، وتعزى أسباب زعامة المرأة إلى الحروب الكثيرة التي خاضتها الأمة الكردية ضد الغزاة، دفاعاً عن وجودها وخيرات مواطنها. إن موضوعات الانفتاح والحرية والتسامح والتعددية والديمقراطية، احتلت موقعاً أساسياً ضمن المشروع النهضوي الكردي الذي شكل منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، وبالتحديد منذ انبثاق البرلمان الكردستاني والحكومة الكردية عام 1992، واتخذت قضية المرأة أهميتها في صلب هذا المشروع، في ضوء العلاقة العضوية بين التحول الديمقراطي وتحرير المرأة من ناحية، وبالنظر إلى الدور المؤكد للمرأة في الشأن الكردي العام (تحريراً وتنمية ووحدة) من ناحية أخرى.
وبما أن المرأة الكردية جزء حيوي في المجتمع، وكان لها دور فعال في انتفاضة آذار عام 1991، بذلك تولد مناخ من الحرية والتعبير والمطالبة بحقوقها ومشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. حيث شكلت نسبة النساء (5.7%) في الدورة الأولى لبرلمان كردستان عام 1992، وارتفعت النسبة إلى (27%) للدورة الثانية عام 2005 . وأعتقد أن هذه النسبة تشكل أعلى نسبة للنساء في منطقة الشرق الأوسط، والمرأة رئيسة لعدة لجان في البرلمان الكوردي، وأصبحت قاضية لأول مرة عام 1997 .