بسم الله الرحمن الرحيم
من العبادات التي استحدثها بعضُ الناس في هذا الشهر ما يأتي:
أ. تخصيص شعبان كله بالصيام
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من شعبان ما لم يصمه في غيره من
الشهور سوى رمضان، ولكنه لم يكن يكمله كله، بل قد صح عنه النهي أن يوصل
رمضان بشعبان، وروي عنه كذلك أنه قال: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، وقد
علل إكثاره من الصيام في شعبان أكثر من غيره من الشهور بأنه كان يقضي ما
فاته من صيام الاثنين، والخميس، والثلاثة البيض، ونحوها من الأيام التي
كان - صلى الله عليه وسلم - يداوم على صيامها.
فالإكثار من الصوم في شعبان من السنة، ولكن الممنوع سرده كله بالصوم، وقد أجاز بعض
أهل العلم سرده لمن عادته صيام الدهر، والله أعلم.
خرَّج الإمام أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر، ويفطر
الأيام حتى لا يكاد يصوم، إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه وإلا
صامهما، ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله إنك
تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في
صيامك، وإلا صمتهما؛ قال: أي يومين؟ قال: يوم الاثنين ويوم الخميس؛ قال:
إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يُعرض عملي وأنا
صائم؛ قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل
الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شعهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين -
عز وجل -، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في
شعبان"، زاد البخاري في روايته: "كان يصوم شعبان كله"، وفي مسلم: "كان
يصوم شعبان إلا قليلاً".
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصوم شعبان".
قال ابن رجب الحنبلي معلقاً على الأحاديث السابقة: (وقد رجح طائفة من العلماء
منهم ابن المبارك وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستكمل صيام
شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة - رضي
الله عنها - قالت: "ما رأيته صام شهراً كله إلا رمضان"، وفي رواية له
أيضاً عنها قالت: "ما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون
رمضان").
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- شهراً كاملاً غير رمضان"، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهراً كاملاً غير
رمضان.
ب. تخصيص يوم النصف من شعبان بالصيام
من كان معتاداً صيام الثلاثة البيض من كل شهر فصامه فلا حرج عليه في ذلك، وهو
خارج من النهي الوارد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا انتصف شعبان
فلا تصوموا"، أما من صامه لخصوصية دون ذلك، لأنه صباح ليلة النصف من
شعبان، فهذا ليس من السنة، إذ لم يأت في تفضيل ذلك دليل، فإن الأعمال
بالنيات.
قال ابن رجب الحنبلي: (وأما صيام يوم النصف منه ـ أي شعبان ـ فغير منهي عنه،
فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها في كل شهر).
ج. إحياء ليلة النصف من شعبان بالذكر والدعاء جماعة في المسجد وغيره أو فرادى.
لم يرد في إحياء ليلة النصف من شعبان دليل صحيح، وكذلك ليلتي العيدين، وإنما
استحب نفر من أهل العلم إحياءها، وقلدهم في ذلك أقوام، وقد فرَّق جماعة من
أهل العلم بين إحيائها في المساجد جماعة فكرهوه، وبين إحيائها فرادى.
الأحاديث التي وردت في فضل ليلة النصف من شعبان، وأقوال أهل المختصين فيها:
وردت أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان، الأكثرون من أهل العلم حكموا بضعفها، وقد صحَّح بعضهم بعضها، وهي:
•عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان ليلة
النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله - تعالى -ينزل فيها
لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق
فأرزقه، ألا مبتلٍ فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر".
•وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم -
فخرجت فإذا هو في المسجد بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال: "أكنتِ
تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ "، فقلت: يا رسول الله، ظننت أنك أتيت
بعض نسائك؛ فقال: "إن الله- تبارك وتعالى -ينزل ليلة النصف من شعبان فيغفر
لأكثر من عدد شعر غنم كلب".
•وعن أبي موسى يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ليطلع
ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".
•وعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ليطلع
إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن أو قاتل نفس".
قال ابن رجب: (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن
معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في
العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة
وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء المدينة، وهو قول أصحاب مالك، وغيرهم،
وقالوا: ذلك كله بدعة.
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين، أحدهما: أنه يستحب إحياؤها
جماعة في المسجد، كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر، وغيرهما يلبسون فيها
أحسن ثيابهم، ويتبخرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم
إسحاق بن راهويه في ذلك، وقال: في قيامها في المسجد جماعة: ليس ذلك
ببدعة14، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني:أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة، والقصص، والدعاء، ولا يكره أن
يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل السنة وفقيههم
وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده
أوفي جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من المسلمين فهو حسن، أما الاجتماع في
المساجد على صلاة مقدرة كالاجتماع على مائة ركعة، بقراءة ألف "قل هو الله
أحد" دائماً، فهذه بدعة، لم يستحبها أحد من الأئمة، والله أعلم).
الذي يترجح لدي أن إحياء ليلة النصف من شعبان بأي كيفية من الكيفيات بدعة
محدثة، إذ العبادات توقيفية لا تتلقى إلا من صاحب الشريعة صلوات الله
وسلامه عليه، والله أعلم.
د. صلاة التسابيح:
روى الإمام الترمذي - رحمه الله - في سننه عدداً من الأحاديث في فضل صلاة
التسابيح وهيئتها، ثم قال: (قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير
حديث في صلاة التسابيح، ولا يصح منه كبير شيء)، والأحاديث هي:
•عن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
للعباس: "يا عم صلَِّ أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة،
فإذا انقضت القراءة، فقل: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله خمس عشرة
مرة قبل أن تركع، ثم اركع فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك وقلها عشراً، ثم اسجد
فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع
راسك وقلها عشراً قبل أن تقوم، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاثمائة
في أربع ركعات، ولو كانت ذنوبك مثل رَمْل عالج غفرها الله لك"، قال: يا
رسول الله، ومن يستطيع أن يقولها في يوم؟ قال: "إن لم تستطع أن تقولها في
يوم فقلها في جمعة، فإن لم تستطع أن تقولها في جمعة فقلها في شهر، فلم يزل
يقول له حتى قال: فقلها في سنة".
•وعن أنس بن مالك أن م سليم غدت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت:
علمني كلمات أقولهن في صلاتي؛ فقال: "كبري الله عشراً، وسبحي عشراً،
واحمديه عشراً، ثم سلي ما شئت، يقول: نعم".
قال الترمذي: وقد روى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه:
•حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، أخبرنا أبو وهب قال: سألت عبد الله بن المبارك
عن الصلاة التي يسبح فيها؟ قال: "يكبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك،
وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول خمس عشرة مرة: سبحان
الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يتعوذ ويقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم وفاتحة الكتاب وسورة، إلخ".
قال الإمام النووي - رحمه الله - بعد أن أورد حديث أبي رافع السابق في
الأذكار: (قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي:
حديث أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن، قال: وإنما
ذكره الترمذي لينبه عليه لئلا يغتر به، قال: وقول ابن المبارك ليس بحجة،
هذا كلام أبي بكر بن العربي، وقال العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث ثبت،
وذكر أبو الفرج بن الجوزي أحاديث صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعفها كلها
وبيَّن ضعفها، ذكره في كتابه في الموضوعات.
وبلغنا عن الإمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني - رحمه الله - أنه قال: أصح شيء في
فضائل السور فضل قل هو الله أحد، وأصح شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة
التسبيح، وقد ذكرت هذا الكلام مسنداً في كتاب طبقات الفقهاء في ترجمة أبي
الحسن علي بن عمر الدارقطني، ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديث صلاة
التسبيح صحيحاً، فإنهم يقولون هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفاً،
ومرادهم أرجحه وأقله ضعفاً).
ه. الاعتمار في ليلة النصف من شعبان
كذلك من الأمور المحدثة التي يحرص عليها البعض الاعتمار في ليلة النصف من شعبان أوفي نهاره، وليس لذلك أدنى دليل من السنة.