النزاع السعودي-الهاشمي
كان
الشريف حسين –حاكم الحجاز- يكن كراهية شديدة لابن سعود؛ لأنه يقف بعناد
أمام مطامحه وآماله كملك للعرب، لذلك كان كثيرًا ما يتعاون مع أعدائه
ويمدهم بالمال والسلاح لقتاله، فساند آل رشيد وآل عائض، لذا كانت العلاقات
بينهما متوترة للغاية، ولم تفلح وساطات الإنجليز في تخفيف حدة العداء
بينهما، ولم يكن يفصل بين نجد والحجاز سوى جبل حضن الذي تقع فيه قرية
الخرمة وتربة التي اختلف عليهما العاهلان، فاحتلها الشريف حسين بدعم من
وزير الخارجية البريطاني كيرزون، أما حكومة الهند التابعة للإنجليز فكانت
تؤيد "ابن سعود"، ومالت الأجهزة البريطانية إلى التحزب لآرائها، غير أن
العلاقة بين الشريف حسين والإنجليز تصدعت مع إعلان الحسين نفسه خليفة
للمسلمين دون التشاور مع الإنجليز الذين كانوا يريدون القضاء على فكرة
الخلافة إلى الأبد، فمالت الكفة لصالح ابن سعود ونجحت القوات السعودية في
الاستيلاء على تربة بعد الانتصار على الهاشميين وبذلك أصبح الطريق مفتوحًا
إلى باقي المدن الحجازية، فاستولى السعوديون على الطائف في (صفر 1343هـ =
سبتمبر 1924م)، ثم واصلوا سيرهم وانتصروا على الهامشيين في وقعة "الهدا"،
فأصبح الطريق مفتوحًا إلى مكة، فدخلوها محرمين بالعمرة منكسي الأسلحة في
(17 ربيع أول 1343هـ = 16 أكتوبر 1924م) ثم واصلت القوات السعودية سيرها
فدخلت ميناء رابغ وقنفذة وينبع، واستسلمت حامية المدينة المنورة.
وبدأ
الخناق يضيق على الشريف حسين وكانت حماسة الإخوان (قوات ابن سعود) سببًا
هامًا في التفوق على الهاشميين رغم كثرة أسلحتهم وحداثتها، يضاف إلى ذلك
حياد بريطانيا التي لم تقدم أية مساعدة إلى حليفها السابق الشريف حسين،
فعندما رأت انهياره السريع تركته ينهار لتسدل الستار على شخصه وملكه، وكان
أقصى ما قدمته له هو أن توسطت لدى ابن سعود لعقد صلح، ينص على استسلام
الشريف ومغادرته البلاد، وبذلك انتهى حكم الأشراف في الحجاز، ونودي بعبد
العزيز ملكًا على نجد والحجاز في (15 جمادى الثانية 1345هـ = 10 يناير
1926م) وأصبح لقبه الجديد "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها" واعترف به
السوفييت وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا ثم عقد معاهدة جدة في (1346هـ
= 1927م) وألغى معاهدة دارين وتحقق الاستقلال الكامل لبلاده ولقبه
الإنجليز بـ"نابليون الجزيرة العربية".
توطين البدو
صورة أرشيفية لعبد العزيز آل سعود
قام
عبد العزيز بأول مشروع من نوعه لتوطين البدو في العالم العربي، إذ كان يرى
أن الهجر (القرى) وسيلة هامة للقضاء على النزعة القبلية، لذلك عمد إلى
تغيير الوظيفة الاقتصادية للبدو، فجعلهم يعتمدون على الزراعة بدلاً من
الرعي، حتى يضع حدًا للبداوة والفوضوية التي كانت تجنح إليها القبائل،
وكان يرى أن مستقبل الجزيرة العربية يتوقف على نجاح هذا المشروع، لذلك
أحاطه بالصمت خوفًا عليه من الإنجليز والأشراف في الحجاز الذين كانوا
ينظرون إليه بعين الشك والريبة.
وكان المشروع في حقيقته ذا أبعاد
سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية حيث كانت تلك الهجر وسيلة لتعليم
البدو أصول دينهم وغرس الحماسة الدينية في نفوسهم وتدريبهم على الفروسية
وفنون القتال وتوجيه البدوي لطاعة الدولة والإمام أولاً قبل القبيلة، ونجح
الملك في توطين أعداد كبيرة من البدو مستخدمًا في ذلك أساليب سياسية
مختلفة تفصح عن عقل واعٍ، وإدراك كامل بالأحداث التي تدور حوله، ومن ذلك
استخدامه للعطايا والهدايا والأموال لبعض شيوخ القبائل حتى لا يعارضوا
مشروعه، كما أنه تمتع بمرونة كبيرة في تطبيقه فسمح لكل قبيلة كبيرة أن
يبقى قسم من أفرادها في الصحراء يعملون في الرعي، أما الباقون فيرسلون إلى
الهجر للقيام بأعمال الزراعة، وواجه بحسم بعض القبائل التي حاربت مشروعه
وثارت ضده، وكان يقول: "إني أريد تطوير نزعة العرب الفطرية إلى الحرب، حتى
يشعروا أنهم أعضاء جماعة واحدة". وكفل هذا المشروع له تنظيم قوة عسكرية من
القبائل المختلفة ذات تدريب عال وحماسة شديدة، من الممكن أن تحشد خلفه
(76) ألف مقاتل في حالة النفير العام، ليصبح أكبر قوة عسكرية في الجزيرة
العربية.
إعلان المملكة العربية السعودية
عندما استولى عبد
العزيز آل سعود على الحجاز وضمها إلى دولته، وضع التعليمات الأساسية
للمملكة الحجازية ونشرها في الجريدة الرسمية في (1345هـ = 1926م)، ثم أنشأ
مجلس الشورى بعد ذلك بعدة أشهر وأسند رئاسته إلى ابنه فيصل، ومع اتساع
الدولة، رأى توحيد المملكة في اسمها بدلاً من لقب ملك الحجاز ونجد
وملحقاتها واستقر الرأي على اختيار اسم المملكة العربية السعودية وأصدر
مرسومًا بذلك في (17 جمادى الأولى 1351هـ = 18 سبتمبر 1932م)، واشتركت
المملكة في هيئة الأمم المتحدة كعضو مؤسس، وكذلك في الجامعة العربية التي
قال فيها: "إنها لسان العرب ويجب على العرب أن يلتفوا حولها".
وقام
بعدة إصلاحات هامة داخل المملكة فسعى للقضاء على الخلافات بين القبائل،
واعتنى بشؤون الحجيج وتوسعة الحرمين الشريفين، وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، ووجه عناية خاصة للتعليم ففتح المدارس النظامية
والمعاهد واستقدم لها المدرسين والأساتذة من الخارج، وأرسل البعثات
التعليمية للخارج، وطبع كثيرًا من الكتب الثقافية والدينية والعلمية،
وأعفى جميع الكتب اللازمة للتعليم من الرسوم، واهتم بالشؤون الصحية، وسعى
للاستفادة من وسائل المدينة الحديثة –رغم معارضة بعض المتشددين- فوضع نواة
للطيران، ومد خطوط التليفون والراديو، وافتتحت في عهده محطة الإذاعة
السعودية، واستخرج النفط في عهده بكميات كبيرة، وبدأ التنافس
الأمريكي-البريطاني لتوطيد العلاقات النفطية مع المملكة والذي حسم لصالح
الأمريكيين والذي بلغ أوجه بإنشاء شركة البترول العربية-الأمريكية
"أرامكو"، ومع تزايد الثروة النقدية أنشأ مؤسسة النقد العربي السعودية
وضربت العملة السعودية (الريال).
وفاته
حكم الملك عبد
العزيز آل سعود –رحمه الله- قرابة نصف القرن، توحدت خلالها الجزيرة
العربية وانتشر الأمن في ربوعها، وانتقلت من حالة الفوضوية إلى النظام
والمجتمع المترابط، وكان لهذه القوة والطاقة البشرية الكبيرة التي تفتحت
عيناها على الصراعات، وخاضت عشرات الحروب والمعارك وخاضت غمار السياسة
ودهاليزها هذا الزمن الطويل بعزم قوي أن تمر عليها عاديات الزمن فأصيب
الملك بتصلب الشرايين وعاودته بعض نوبات المرض، فانتقل إلى الطائف، وهناك
كان القدر المحتوم، فتوفي صباح يوم الإثنين (2 ربيع الأول 1374هـ = 9
نوفمبر 1953م) ونقل جثمانه إلى الرياض حيث دفن بمقبرة آل سعود